كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الحسن: والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا} الإسراء وقرأ حمزة والكسائي بالياء ليطابق قوله تعالى: {يدبر الأمر} والباقون بالنون وقرأ نافع وابن كثير بسكون الكاف، والباقون بالرفع: {إن في ذلك}، أي: الأمر العظيم الذي ذكرناه: {لآيات}، أي: دلالات: {لقوم يعقلون}، أي: يستعملون عقولهم بالتدبر والتفكر في الآيات الدالة على وحدانيته تعالى.
ولما ذكر تعالى الدلائل القاهرة الدالة على معرفة المبدأ ذكر بعده ما يدل على المعاد بقوله تعالى: {وإن تعجب}، أي: يا أكرم الخلق من تكذيب الكفار لك بعد أن كنت تعرف عندهم بالصادق الأمين: {فعجب}، أي: فحقيق أن يتعجب منه: {قولهم}، أي: منكري البعث: {أئذا كنا ترابًا}، أي: بعد الموت: {أئنا لفي خلق جديد}، أي: خلق بعد الموت كما كنا قبله، ولم يعلموا أنّ القادر على إنشاء الخلق وما تقدّم على غير مثال قادر على إعادتهم. وقيل: وإن تعجب من اتخاذ المشركين ما لا يضرّهم ولا ينفعهم آلهة يعبدونها مع إقرارهم بأنّ الله تعالى خلق السموات، والأرض، وهو يضر وينفع، وقد رأوا قدرة الله تعالى وما ضرب لهم به الأمثال فعجب قولهم ذلك، والعجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة، وقال المتكلمون: العجب هو الذي لا يعرف سببه، وذلك في حق الله تعالى محال؛ لأنه تعالى علام الغيوب لا تخفى عليه خافية، وقرأ أبو عمرو وخلاد والكسائي بإدغام الباء في الفاء، والباقون بالإظهار.
تنبيه: هنا آيتان في كل منهما همزتان، فقرأ قالون بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الهمزة الثانية، ويدخل بينهما ألفًا على الاستفهام، وفي الآية الثانية بهمزة مكسورة وبعدها نون مشددة على الخبر، وورش كذلك إلا أنه لا يدخل بين الهمزتين في أئذا ألفًا وينقل في الثاني على أصله، وابن كثير يقرأ بالاستفهام فيهما من غير إدخال ألف بين الهمزتين مع تحقيق الأولى وتسهيل الثانية فيهما، وأبو عمرو كذلك مع إدخال ألف بينهما، وابن عامر في الأول بهمزة مكسورة بعدها ذال مفتوحة على الخبر، وفي الثاني بهمزة مفتوحة محققة وهمزة مكسورة محققة على الاستفهام، وأدخل هشام بينهما ألفًا بخلاف عنه، والباقون بهمزتين محققتين الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة ولا ألف بينهما في الموضعين.
فائدة:
جميع ما في القرآن من ذلك أحد عشر موضعًا في تسع سور، والأحد عشر مكرّرة فتصير اثنين وعشرين، في هذه السورة موضع، والثاني والثالث في سورة الإسراء، والرابع في المؤمنون، والخامس في النمل، والسادس في العنكبوت، والسابع في السجدة، والثامن والتاسع في الصافات، والعاشر في الواقعة، والحادي عشر في النازعات. وأذكر إن شاء الله تعالى في كل سورة من السور المذكورة مذهبهم في محله.
{أولئك}، أي: الذين جمعوا أنواعًا من البعد من كل خير: {الذين كفروا بربهم}، أي: غطوا ما يجب إظهاره بسبب الاستهانة بالذي بدأ خلقهم، ثم رباهم بأنواع اللطف، فإذا أنكروا معادهم فقد أنكروا بدأهم: {وأولئك} البعداء البغضاء: {الأغلال} يوم القيامة: {في أعناقهم} بسبب كفرهم، والغل: طوق من حديد تقيد به اليد في العنق، وقيل: المراد بالأغلال ذلهم وانقيادهم يوم القيامة كما يقاد الأسير الذليل بالغل، وقيل: إنهم مقيدون بالضلال لا يرجى فلاحهم. {وأولئك}، أي: الذين لا خسارة أعظم من خسارتهم: {أصحاب النار هم فيها خالدون}، أي: ثابت خلودهم دائمًا لا يخرجون منها ولا يموتون. ولما كان صلى الله عليه وسلم يهدّدهم تارة بعذاب يوم القيامة وتارة بعذاب الدنيا، والقوم كلما هدّدهم بعذاب يوم القيامة أنكروا القيامة والبعث والحشر والنشر، وهو الذي تقدّم ذكره في الآية الأولى، وكلما هدّدهم بعذاب الدنيا قالوا له: فجئنا بهذا العذاب، وطلبوا منه إظهاره وإنزاله على سبيل الطعن وإظهار أنّ الذي يقول كلام لا أصل له نزل: {ويستعجلونك}، أي: استهزاء وتكذيبًا، والاستعجال طلب التعجيل، وهو تقديم الشيء قبل وقته الذي يقدر له: {بالسيئة}، أي: العذاب: {قبل الحسنة}، أي: الرحمة، وذلك أنّ مشركي مكة كانوا يقولون: اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذا أليم.
تنبيه: قوله: {قبل الحسنة} فيه وجهان: أحدهما: متعلق بالاستعجال ظرفًا له والثاني: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال مقدرة من السيئة قاله أبو البقاء. {وقد}، أي: والحال أنه قد: {خلت من قبلهم المثلات} جمع مثلة بفتح الميم وضم المثلثة كصدقة وصدقات، أي: عقوبات أمثالهم من المكذبين أفلا يعتبرون بها. {وإنّ ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} وإلا لم يترك على ظهرها دابة كما قال تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} فاطر. وقال ابن عباس: معناه لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا. {وإنّ ربك لشديد العقاب} للمصرين على الشرك الذين ماتوا عليه. وقال مقاتل: إنه لذو تجاوز عن شركهم في تأخير العذاب عنهم، وشديد العقاب إذا عاقب. ولما بين سبحانه وتعالى أنّ الكفار طعنوا في نبوة النبيّ صلى الله عليه وسلم بسبب طعنهم في الحشر والنشر أوّلًا، ثم طعنوا في نبوّته بسبب طعنهم في صحة ما ينذرهم به من نزول عذاب الاستئصال ثانيًا، ثم طعنوا في نبوّته بأن طلبوا منه المعجزة والبينة. ثالثًا، وهو المذكور في قوله تعالى: {ويقول الذين كفروا لولا}، أي: هلا: {أنزل عليه}، أي: محمد صلى الله عليه وسلم: {آية من ربه}، أي: مثل عصا موسى وناقة صالح وذلك؛ لأنهم أنكروا كون القرآن من جنس المعجزات، وقالوا: هذا كتاب مثل سائر الكتب، وإتيان الإنسان بتصنيف معين وكتاب معين لا يكون معجزًا مثل معجزات موسى وعيسى عليهما السلام، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم راغبًا في إجابة مقترحاتهم لشدّة التفاته إلى إيمانهم قال الله تعالى له: {إنما أنت منذر}، أي: ليس عليك إلا الإنذار والتخويف، وليس عليك إتيان الآيات. {ولكل قوم هاد}، أي: نبيّ يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه من الآيات لا بما يقترحون. وقرأ ابن كثير في الوقف بياء بعد الدال، وفي الوصل بغير ياء وتنوين الدال، والباقون بغير ياء في الوقف والوصل مع تنوين الدال. ولما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات أخبرهم الله تعالى عن عظيم قدرته وكمال علمه بقوله تعالى: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى} من ذكر وغيره وواحد ومتعدّد وغير ذلك: {وما تغيض}، أي: تنقص: {الأرحام} من مدّة الحمل: {وما تزداد}، أي: من مدّة الحمل فقد تكون سبعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عند الإمام أبي حنيفة، وإلى اربع عند الإمام الشافعي، وإلى خمس عند الإمام مالك رضي الله تعالى عنهم.
وقيل: إنّ الضحاك ولد لسنتين وهرم بن حيان بقي في بطن أمّه أربع سنين، ولذلك سمي هرمًا. وقيل: ما تنقصه الرحم من الأولاد وتزيده منهم. يروى أنّ شريكًا كان رابع أربعة في بطن أمّه. وقيل: من نقصان الولد فيخرج ناقصًا والزيادة تمام خلقه. وقيل: ما تنقص بالسقط عن أن يتم وما يزداد بالتمام. وقيل: ما تنقص بظهور دم الحيض، وذلك أنه إذا سال الدم في وقت الحمل ضعف الولد ونقص بمقدار حصول ذلك. قال ابن عباس: كلما سال الحيض في وقت الحمل يومًا زاد في مدّة الحمل يومًا ليحصل الجبر ويعتدل الأمر والآية تحتمل جميع ذلك إذ لا تنافي في هذه الأقوال. ويدل لذلك قوله تعالى: {وكل شيء} من هذا وغيره من الآيات المقترحات وغيرها: {عنده}، أي: في علمه وقدرته: {بمقدار} في كيفيته وكميته لا يجاوزه ولا يقصر عنه لأنه تعالى عالم بكيفية كل شيء وكميته على الوجه المفصل المبين.
تنبيه: قوله تعالى: {عنده} يجوز أن يكون مجرور المحل صفة لشيء أو مرفوعه صفة لكل أو منصوبه ظرفًا لقوله: {بمقدار} أو ظرفًا للاستقرار الذي تعلق به الجار لوقوعه خبرًا.
{عالم الغيب} وهو ما غاب عن كل مخلوق: {والشهادة} وهو ما شاهدوه، وقيل: الغيب هو المعدوم والشهادة هو الموجود. وقيل: الغيب ما غاب عن الحس، والشهادة ما حضر في الحس: {الكبير}، أي: العظيم: {المتعال} عن خلقه بالقهر المنزه عن صفات النقص فهو تعالى موصوف بالعلم الكامل والقدرة التامّة. وقرأ ابن كثير في الوقف والوصل بياء بعد اللام، والباقون بغير ياء وقفًا ووصلًا. ولما كان علمه تعالى شاملًا لجميع الأشياء قال تعالى: {سواء منكم}، أي: في علمه تعالى: {من أسرّ القول}، أي: أخفى معناه في نفسه: {ومن جهر به}، أي: أظهره فقد استوى في علمه تعالى المسرّ بالقول والجاهر به: {ومن هو مستخف}، أي: مستتر: {بالليل}، أي: بظلامه: {وسارب}، أي: ظاهر بذهابه في سربه: {بالنهار} والسرب: بفتح السين وسكون الراء الطريق، وقال ابن عباس: سواء ما أضمرته القلوب وأظهرته الألسنة، وقال مجاهد: سواء من يقدم على القبائح في ظلمات الليل، ومن يأتي بها في النهار الظاهر على سبيل التواري والضمير في.
{له} يعود إلى من في قوله: {سواء منكم من أسّر القول ومن جهر به ومن هومستخف بالليل} أو للإنسان: {معقبات}، أي: ملائكة تعقبه، والذي عليه الجمهور أنّ المراد بالملائكة الحفظة، وإنما صح وصفهم بالمعقبات إما لأجل أن ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار، وبالعكس وإما لأجل أنهم يتعقبون أعمال العباد ويبتغونها بالحفظ والكتب وكل من عمل عملًا، ثم عاد إليه فقد عقب، فعلى هذا المراد من المعقبات ملائكة الليل والنهار، روي عن عثمان أنه قال يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال صلى الله عليه وسلم: «ملك عن يمينك للحسنات وهو أمير على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشرًا وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين: اكتب قال: لا لعله أن يتوب أو يستغفر فيستأذنه ثلاث مرات فإذا قال ثلاثًا قال اكتب أراحنا اللّه منه. فبئس القرين ما أقل مراقبته للّه واستحيائه منا فهو قوله تعالى: {له معقبات}: {من بين يديه}، أي: قدّامه: {ومن خلفه}، أي: ورائه، وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لربك رفعك، وإن تجبرت قصمك وملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة، وملك على فيك، لا يدع أن تدخل الحية في فيك وملكان على عينيك فهذه عشرة أملاك على كل أدمي» ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فهم عشرون ملكًا على كل آدمي.
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله تعالى وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون». وقال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك موكل يحفظه من الجن والأنس والهوام في نومه ويقظته، فإن قيل: الملائكة ذكور فلم ذكروا في جمع الإناث وهو المعقبات؟
أجيب: بجوابين: الأول: قال الفراء: المعقبات ملائكة معقبة واحدها معقب ثم جمعت معقبة بمعقبات كما قيل أبناءات ورجالات جمع أبناء ورجال والذي على التذكير قوله تعالى: {يحفظونه} والثاني: وهو قول الأخفش إنما أنث لكثرة ذلك منها نحو نسابة وعلامة وهو ذكر، واختلف في المراد من قوله تعالى: {من أمر اللّه} على أقوال:
أحدها: إنه على التقديم والتأخير، والتقدير له معقبات من أمر اللّه يحفظونه.
ثانيها: أنّ فيه إضمارًا، أي: ذلك الحفظ من أمر اللّه، أي: مما أمر الله تعالى به فحذف الاسم وأبقى خبره.
وثالثهما: أنّ كلمة من معناها الباء والتقدير يحفظونه بأمر اللّه وبإعانته، وقال كعب الأحبار: لولا أنّ الله تعالى وكّل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجنّ، وقال ابن جريج: معنى يحفظونه، أي: يحفظون عليه الحسنات والسيئات، فإن قيل: ما الفائدة في تخصيص هؤلاء الملائكة مع بني آدم وتسليطهم عليهم؟
أجيب: بأن الإنسان إذا علم أنَّ الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب؛ لأنّ من اعتقد جلالة الملائكة وعلو مراتبهم، فإذا حاول الإقدام على معصية واعتقد أنهم يشاهدونها زجره الحياء منهم عن الإقدام إليها كما يزجره إذا حضر من يعظمه من البشر، وإذا علم أنّ الملائكة تحصي عليه تلك الأعمال، كان ذلك أيضًا ردعًا له عنها، وإذا علم أنّ الملائكة يكتبونها كان الردع أكمل. ولما دل ذلك على غاية القدرة والعظمة قال تعالى: {إنّ الله} مع قدرته: {لا يغير ما بقوم}، أي: لا يسلبهم نعمته: {حتى يغيروا ما}، أي: الذي: {بأنفسهم} من الأحوال الجميلة إلى الأحوال القبيحة: {وإذا أراد الله بقوم سوءً}، أي: هلاكًا وعذابًا: {فلا مردّ له}أي لا يقدر أحد لا من المعقبات ولا من غيرها أن يرد مانزل بهم من قضائه وقدره: {ومالهم}، أي: إن أراد اللّه بهم سواءً: {من دونه}، أي: غير اللّه: {من وال} يلي أمرهم وينصرهم ويمنع العذاب عنهم، وقرأ ابن كثير في الوقف بإثبات الياء بعد اللام دون الوصل، والباقون بغير ياء بعد اللام وقفًا ووصلًا.ولما خوّف الله تعالى بقوله: {وإذا أراد اللّه بقوم سوءً} اتبعه بذكر آيات تشبه النعم والإحسان من بعض الوجوه، وتشبه العذاب والقهر من بعض الوجوه بقوله تعالى: {هو الذي يريكم البرق خوفًا}، أي: للمسافرين من الصواعق: {وطمعًا}، أي: للمقيم في المطر، وقيل: إنّ كل شيء يحصل في الدنيا يحتمل الخير والشر، فهو خير بالنسبة إلى قوم وشر بالنسبة إلى آخرين، فكذلك المطر خير في حق من يحتاج إليه في أوانه وشر في حق من يضرّه ذلك إما بحسب المكان وإما بحسب الزمان، والبرق معروف وهو لمعان يظهر من بين السحاب: {وينشئ}، أي: يخلق: {السحاب الثقال}، أي: بالمطر. تنبيه خوفًا وطمعًا مصدران ناصبهما محذوف، أي: تخافون خوفًا وتطمعون طمعًا، ويجوز غير ذلك، والسحاب قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: غربال الماء وهو غيم ينسحب في السماء، وهو اسم جنس جمعي واحده سحابة وأكثر المفسرين على أنّ الرعد في قوله تعالى: {ويسبح الرعد بحمده} على أنه اسم للملك الذي يسوق السحاب والصوت المسموع منه تسبيحه ولا يردّ ذلك عطف الملائكة عليه في قوله تعالى: {والملائكة}، أي: تسبحه: {من خيفته}، أي: الله؛ لأنه أفرد بالذكر تشريفًا له، كما في قوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل وميكال} البقرة. قال ابن عباس: «أقبلت يهود على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا عن الرعد ما هو؟ فقال: ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب». قال ابن الأثير: والمخاريق جمع مخراق وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضًا وهي آلة تزجر بها الملائكة السحاب وتسوقه، وقد جاء تفسير المخراق في حديث آخر، وهو سوط من نور تزجر به الملائكة السحاب. وعن ابن عباس أنه قال: من سمع صوت الرعد فقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير، فإن أصابته صاعقة فعليّ ديته. وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى: «لو أنّ عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت الشمس عليهم بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد». وفي رواية عن ابن عباس: الرعد ملك موكل بالسحاب يسوقه حيث يؤمر وأنه يحوز الماء في نقرة إبهامه، وأنه يسبح الله تعالى إذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر. وعن الحسن أنّ الرعد خلق من خلق الله ليس بملك، وقد اختلفت الروايات في ذلك، ففي بعضها أنه ملك موكل بالسحاب، وفي بعضها أنه ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه، وفي بعضها أنه ملك يسوق السحاب بالتسبيح كما يسوق الحادي الإبل بحدائه، وفي بعضها: أنه ملك سمي به وهو الذي تسمعون صوته، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك في البقرة، وقيل: هؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله تعالى له أعوانًا، فهم خائفون خاضعون طائعون، وقيل: المراد بهم جميع الملائكة واستظهر وقوله تعالى: {ويرسل الصواعق} جمع صاعقة وهي العذاب المهلك تنزل من البرق فتحرق من تصيبه: {فيصيب بها من يشاء} فيهلكه: {وهم يجادلون في الله} حيث يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم والتكذيب التشديد في الخصومة.